فصل: تفسير الآيات (1- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.سورة الحجر:

وهي تسع وتسعون آية.
وهي مكية بالاتفاق، كما قال القرطبي.
وأخرج النحاس في ناسخه وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة الحجر بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله.

.تفسير الآيات (1- 15):

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ (1) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)}
قوله: {الر} قد تقدّم الكلام في محله مستوفي، والإشارة بقوله: {تِلْكَ} إلى ما تضمنته السورة من الآيات، والتعريف في {الكتاب}. قيل: هو للجنس، والمراد جنس الكتب المتقدّمة. وقيل: المراد به القرآن، ولا يقدح في هذا ذكر القرآن بعد الكتاب، فقد قيل: إنه جمع له بين الإسمين، وقيل: المراد بالكتاب: هذه السورة، وتنكير القرآن للتفخيم، أي: القرآن الكامل {رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} قرأ نافع وعاصم بتخفيف الباء من {ربما}. وقرأ الباقون بتشديدها، وهما لغتان. قال أبو حاتم: أهل الحجاز يخففون، ومنه قول الشاعر:
ربما ضربة سيف صقيل ** بين بصرى وطعنة نجلاء

وتميم وربيعة يثقلونها.
وقد تزاد التاء الفوقية، وأصلها أن تستعمل في القليل.
وقد تستعمل في الكثير. قال الكوفيون: أي يودّ الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين. ومنه قول الشاعر:
رب رفد هرقته ذلك اليو ** م وأسرى من معشر أقيال

وقيل: هي هنا للتقليل؛ لأنهم ودّوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب. قيل: و{ما} هنا لحقت ربّ لتهيئها للدخول على الفعل. وقيل: هي نكرة بمعنى شيء، وإنما دخلت (ربّ) هنا على المستقبل مع كونها لا تدخل إلاّ على الماضي؛ لأن المترقب في أخباره سبحانه كالواقع المتحقق، فكأنه قيل: ربما ودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين، أي: منقادين لحكمه مذعنين له من جملة أهله. وكانت هذه الودادة منهم عند موتهم أو يوم القيامة. والمراد: أنه لما انكشف لهم الأمر، واتضح بطلان ما كانوا عليه من الكفر وأن الدين عند الله سبحانه هو الإسلام لا دين غيره، حصلت منهم هذه الودادة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بل هي لمجرد التحسر والتندم ولوم النفس على ما فرّطت في جنب الله. وقيل: كانت هذه الودادة منهم عند معاينة حالهم وحال المسلمين. وقيل: عند خروج عصاة الموحدين من النار، والظاهر أن هذه الودادة كائنة منهم في كل وقت مستمرة في كل لحظة بعد انكشاف الأمر لهم.
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} هذا تهديد لهم أي: دعهم عما أنت بصدده من الأمر لهم والنهي، فهم لا يرعوون أبداً ولا يخرجون من باطل ولا يدخلون في حق، بل مرهم بما هم فيه من الاشتغال بالأكل والتمتع بزهرة الدنيا، فإنهم كالأنعام التي لا تهتم إلاّ بذلك، ولا تشتغل بغيره، والمعنى: اتركهم على ما هم عليه من الاشتغال بالأكل ونحوه من متاع الدنيا ومن إلهاء الأمل لهم عن اتباعك فسوف يعلمون عاقبة أمرهم وسوء صنيعهم. وفي هذا من التهديد والزجر ما لا يقدر قدره، يقال: ألهاه كذا أي: شغله، ولهى هو عن الشيء يلهى، أي: شغلهم الأمل عن اتباع الحق، وما زالوا في الآمال الفارغة والتمنيات الباطلة حتى أسفر الصبح لذي عينين، وانكشف الأمر ورأوا العذاب يوم القيامة، فعند ذلك يذوقون وبال ما صنعوا.
والأفعال الثلاثة مجزومة على أنها جواب الأمر، وهذه الآية منسوخة بآية السيف.
{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ} أي: وما أهلكنا قرية من القرى بنوع من أنواع العذاب {إِلاَّ وَلَهَا} أي: لتلك القرية {كِتَابٌ} أي أجل مقدّر لا تتقدم عليه ولا تتأخر عنه {مَّعْلُومٌ} غير مجهول ولا منسيّ، فلا يتصوّر التخلف عنه بوجه من الوجوه. وجملة {لَهَا كِتَابٌ} في محل نصب على الحال من {قرية} وإن كانت نكرة؛ لأنها قد صارت بما فيها من العموم في حكم الموصوفة، والواو للفرق بين كون هذه الجملة حالاً، أو صفة فإنها تعينها للحالية كقولك: حالي رجل على كتفه سيف. وقيل: إن الجملة صفة {لقرية}. والواو لتأكيد اللصوق بين الصفة والموصوف.
{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} أي: ما تسبق أمة من الأمم أجلها المضروب لها، المكتوب في اللوح المحفوظ؛ والمعنى: أنه لا يأتي هلاكها قبل مجيء أجلها {وما يستأخرون} أي: وما يتأخرون عنه، فيكون مجيء هلاكهم بعد مضي الأجل المضروب له، وإيراد الفعل على صيغة جمع المذكر للحمل على المعنى مع التغليب، ولرعاية الفواصل، ولذلك حذف الجار والمجرور، والجملة مبينة لما قبلها، فكأنه قيل: إن هذا الإمهال لا ينبغي أن يغترّ به العقلاء، فإن لكل أمة وقتاً معيناً في نزول العذاب لا يتقدّم ولا يتأخر.
وقد تقدم تفسير الأجل في أوّل سورة الأنعام.
ثم لما فرغ من تهديد الكفار شرع في بيان بعض عتوّهم في الكفر، وتماديهم في الغيّ مع تضمنه لبيان كفرهم بمن أنزل عليه الكتاب بعد بيان كفرهم بالكتاب، فقال: {وَقَالُواْ يأيهالذى نُزّلَ عَلَيْهِ الذكر} أي قال: كفار مكة مخاطبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتهكمين به حيث أثبتوا له إنزال الذكر عليه مع إنكارهم لذلك في الواقع أشدّ إنكار، ونفيهم له أبلغ نفي، أو أرادوا: ب {يأيها الذي نزل عليه الذكر} في زعمه، وعلى وفق ما يدعيه {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} أي: إنك بسبب هذه الدعوى التي تدّعيها من كونك رسولاً لله مأموراً بتبليغ أحكامه لمجنون، فإنه لا يدّعي مثل هذه الدعوى العظيمة عندهم من كان عاقلاً، فقولهم هذا لمحمد صلى الله عليه وسلم هو كقول فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27].
{لَّوْ مَا تَأْتِينَا بالملئكة} {لو ما} حرف تحضيض مركب من {لو} المفيدة للتمني، ومن {ما} المزيدة، فأفاد المجموع الحثّ على الفعل الداخلة هي عليه، والمعنى: هلا تأتينا بالملائكة ليشهدوا على صدقك {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين}.
قال الفراء: الميم في {لو ما} بدل من اللام في {لولا}.
وقال الكسائي: لولا ولو ما سواء في الخبر والاستفهام. قال النحاس: لو ما ولولا وهلا واحد. وقيل: المعنى: لو ما تأتينا بالملائكة فيعاقبونا على تكذيبنا لك.
{ما ننزل الملائكة إِلاَّ بالحق} قرئ: {ما ننزل} بالنون مبنياً للفاعل، وهو الله سبحانه فهو على هذا من التنزيل، والمعنى على هذه القراءة: قال الله سبحانه مجيباً على الكفار لما طلبوا إتيان الملائكة إليهم: ما ننزل نحن {الملائكة إِلاَّ بالحق} أي: تنزيلاً متلبساً بالحق الذي يحق عنده تنزيلنا لهم فيما تقتضيه الحكمة الإلهية والمشيئة الربانية، وليس هذا الذي اقترحتموه مما يحق عنده تنزيل الملائكة، وقرئ: {ننزل} مخففاً من الإنزال، أي: ما ننزل نحن الملائكة إلاّ بالحق، وقرئ: {ما تنزل} بالمثناة من فرق مضارعاً مثقلاً مبنياً للفاعل من التنزيل بحذف إحدى التاءين، أي: تتنزل، وقرئ أيضاً بالفوقية مضارعاً مبنياً للمفعول. وقيل: معنى {إلا بالحق} إلا بالقرآن. وقيل: بالرسالة، وقيل: بالعذاب {وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ} في الكلام حذف، والتقدير: ولو أنزلنا الملائكة لعوجلوا بالعقوبة، وما كانوا إذا منظرين. فالجملة المذكورة جزاء للجملة الشرطية المحذوفة.
ثم أنكر على الكفار استهزاءهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم: {يأَيُّهَا الذي نُزّلَ عَلَيْهِ الذكر إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} فقال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر} أي: نحن نزلنا ذلك الذكر الذي أنكروه ونسبوك بسببه إلى الجنون {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} عن كل ما لا يليق به من تصحيف وتحريف وزيادة ونقص ونحو ذلك. وفيه وعيد شديد للمكذبين به، المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: الضمير في {له} لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والأول أولى بالمقام.
ثم ذكر سبحانه أنه عادة أمثال هؤلاء الكفار مع أنبيائهم كذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} أي: رسلاً، وحذف لدلالة الإرسال عليه، أي: رسلاً كائنة من قبلك {فِى شِيَعِ الأولين} في أممهم وأتباعهم وسائر فرقهم وطوائفهم. قال الفراء: الشيع: الأمة التابعة بعضهم بعضاً فيما يجتمعون عليه، وأصله من شاعه: إذا تبعه. وإضافته إلى {الأوّلين} من إضافة الصفة إلى الموصوف عند بعض النحاة، أو من حذف الموصوف عند آخرين منهم.
{وَمَا يَأْتِيهِم مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} أي: ما يأتي رسول من الرسل شيعته إلاّ كانوا به يستهزءون، كما يفعله هؤلاء الكفار مع محمد صلى الله عليه وسلم، وجملة {إلاّ كانوا به يستهزءون} في محل نصب على الحال، أو في محل رفع على أنها صفة {رسول} أو في محل جر على أنها صفة له على اللفظ لا على المحل.
{كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ في قُلُوبِ المجرمين} أي: مثل ذلك الذي سلكناه في قلوب أولئك المستهزئين برسلهم {نَسْلُكُهُ} أي: الذكر. {فِى قُلُوبِ المجرمين} فالإشارة إلى ما دلّ عليه الكلام السابق من إلقاء الوحي مقروناً بالاستهزاء. والسلك: إدخال الشيء في الشيء، كالخيط في المخيط، قاله الزجاج، قال: والمعنى كما فعل بالمجرمين الذين استهزءوا نسلك الضلال في قلوب المجرمين. وجملة {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} في محل نصب على الحال من ضمير {نسلكه} أي: لا يؤمنون بالذكر الذي أنزلناه، ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان ما قبلها فلا محل لها، وقيل: إن الضمير في {نسلكه} للاستهزاء، وفي: {لا يؤمنون} به للذكر، وهو بعيد، والأولى أن الضميرين للذكر {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين} أي مضت طريقتهم التي سنّها الله في إهلاكهم، حيث فعلوا ما فعلوا من التكذيب والاستهزاء.
وقال الزجاج: وقد مضت سنّة الله في الأوّلين بأن سلك الكفر والضلال في قلوبهم.
ثم حكى الله سبحانه إصرارهم على الكفر وتصميمهم على التكذيب والاستهزاء، فقال: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم} أي: على هؤلاء المعاندين لمحمد صلى الله عليه وسلم المكذبين له المستهزئين به {بَاباً مِنَ السماء} أي: من أبوابها المعهودة، ومكناهم من الصعود إليه {فَظَلُّواْ فِيهِ} أي: في ذلك الباب {يَعْرُجُونَ} يصعدون بآلة، أو بغير آلة حتى يشاهدوا ما في السماء من عجائب الملكوت التي لا يجحدها جاحد، ولا يعاند عند مشاهدتها معاند. وقيل: الضمير في {فظلوا} للملائكة، أي: فظل الملائكة يعرجون في ذلك الباب، والكفار يشاهدونهم، وينظرون صعودهم من ذلك الباب {لَقَالُواْ} أي: الكفار لفرط عنادهم وزيادة عتوّهم: {إِنَّمَا سُكّرَتْ أبصارنا} قرأ ابن كثير {سكرت} بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد، وهو من سكر الشراب، أو من السكر، وهو سدّها عن الإحساس، يقال: سكر النهر: إذا سدّه وحبسه عن الجري.
ورجح الثاني بقراءة التخفيف، وقال أبو عمرو بن العلاء: سكرت: غشيت وغطت، ومنه قول الشاعر:
وطلعت شمس عليها مغفر ** وجعلت عين الجزور تسكر

وبه قال أبو عبيد، وأبو عبيدة، وروي عن أبي عمرو أيضاً أنه من سكر الشراب، أي: غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشي السكران ما غطى عقله، وقيل: معنى سكرت: حبست، كما تقدم، ومنه قول أوس بن حجر:
فصرت على ليلة ساهره ** فليست بطلق ولا ساكره

قال النحاس: وهذه الأقوال متقاربة {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} أضربوا عن قولهم {سكرت أبصارنا} ثم ادّعوا أنهم مسحورون، أي: سحرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وفي هذا بيان لعنادهم العظيم الذي لا يقلعهم عنه شيء من الأشياء كائناً ما كان، فإنهم إذا رأوا آية توجب عليم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله نسبوا إلى أبصارهم أن إدراكها غير حقيقي لعارض السكر، أو أن عقولهم قد سحرت، فصار إدراكهم غير صحيح.
ومن بلغ في التعنت إلى هذا الحدّ فلا تنفع فيه موعظة، ولا يهتدي بآية.
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {تِلْكَ ءايات الكتاب} قال: التوراة والإنجيل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في {تِلْكَ ءايات الكتاب} قال: الكتب التي كانت قبل القرآن و{قرآن مبين} قال: مبين، والله هداه ورشده وخيره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، وابن مسعود، وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} قال: ودّ المشركون يوم بدر حين ضربت أعناقهم فعرضوا على النار أنهم كانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية قال: هذا في الجهنميين إذا رأوهم يخرجون من النار.
وأخرج سعيد بن منصور، وهناد بن السريّ في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس قال: ما يزال الله يشفع ويدخل ويشفع ويرحم حتى يقول: من كان مسلماً فليدخل الجنة، فذلك قوله: {رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ}.
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في البعث عن ابن عباس وأنس أنهما تذاكرا هذه الآية {رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} فقالا: هذا حيث يجمع الله من أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار، فيقول المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون، فيغضب الله لهم فيخرجهم بفضله ورحمته.
وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه بسند، قال السيوطي صحيح عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ناساً من أمتي يعذبون بذنوبهم، فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا، ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون: ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم، فلا يبقى موحد إلاّ أخرجه الله من النار» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ}.
وأخرج ابن أبي عاصم في السنّة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً نحوه.
وأخرج إسحاق بن راهويه، وابن حبان، والطبراني، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً نحوه أيضاً.
وأخرج هناد بن السريّ، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً. وفي الباب أحاديث في تعيين هذا السبب في نزول هذه الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} الآية قال: هؤلاء الكفرة.
وأخرج أيضاً عن أبي مالك في قوله: {ذَرْهُمْ} قال: خلّ عنهم.
وأخرج ابن جرير عن الزهري في قوله: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَ} قال: نرى أنه إذا حضره أجله، فإنه لا يؤخر ساعة ولا يقدّم، وأما ما لم يحضر أجله، فإن الله يؤخر ما شاء ويقدّم ما شاء. قلت: وكلام الزهري هذا لا حاصل له ولا مفاد فيه.

وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {يأَيُّهَا الذي نُزّلَ عَلَيْهِ الذكر} قال: القرآن.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {مَا نُنَزّلُ الملائكة إِلاَّ بالحق} قال: بالرسالة والعذاب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في قوله: {وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ} قال: وما كانوا لو نزلت الملائكة بمنظرين من أن يعذبوا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} قال: عندنا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فِى شِيَعِ الأولين} قال: أمم الأوّلين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس في قوله: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ في قُلُوبِ المجرمين} قال: الشرك نسلكه في قلوب المشركين.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة مثله.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن مثله أيضاً.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين} قال: وقائع الله فيمن خلا من الأمم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} قال ابن جريج: قال ابن عباس: فظلت الملائكة تعرج فنظروا إليهم لقالوا: {إِنَّمَا سُكّرَتْ أبصارنا} قال: قريش تقوله.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في الآية عن ابن عباس أيضاً يقول: ولو فتحنا عليهم باباً من أبواب السماء فظلت الملائكة تعرج فيه يختلفون فيه ذاهبين وجائين لقال أهل الشرك: إنما أخذ أبصارنا، وشبه علينا، وإنما سحرنا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {سكرت أبصارنا} قال: سدّت، وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه قال: ومن قرأ: {سكرت} مخففة، فإنه يعني: سحرت.